ما بين سياسة القمع وفض الاعتصامات بالقوة واعتقال المئات من الطلاب الذين وقفوا في ساحات الجامعات الأمريكية وهم يحملون شعارات إنسانية تعبر عن رفضهم لحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وبين دعم واشنطن لنظرية الفوضى الخلاقة وحماية المتظاهرين الذين خرجوا في شوارع وميادين مدن وعواصم عربية عام 2011 للمطالبة بإسقاط الأنظمة والحكومات، سقطت أقنعة الزيف وظهرت الديمقراطية الأمريكية في أبشع صورها.
الرئيس الأميركي جو بايدن الذي يعد واحدا من أبرز مهندسي نظرية الفوضى الخلاقة عندما كان نائباً للرئيس أوباما، انتقد احتجاجات طلاب الجامعات ضد الحرب الإسرائيلية على غزة، معتبرا أنها تنطوي على "إثارة الفوضى"، ما يشير إلى دعمه وتأييده لعملية فض الاحتجاجات بالقوة من قبل قوات الشرطة الأمريكية التي تصنع اليوم ما لم تصنعه أنظمة عربية صنفتها واشنطن على أنها أنظمة قمعية ضد متظاهرين خرجوا لإسقاطها فيما سمي بثورات الربيع العربي.
وأشار بايدن إلى أن الاحتجاجات الطلابية لن تلقى تجاوبا ولن تحدث أي تغيير في السياسة الأمريكية ودعم واشنطن لإسرائيل، وهو ما اعتبره الكثيرون رسالة للمحتجين مفادها أن لا جدوى من احتجاجاتهم وأن عليهم انهائها اعتصاماتهم، التي لم يعلق على استخدام القوة من قبل الشرطة لفضها واعتقال أكثر من ألفي طالب من المشاركين فيها.
وفي الوقت الذي قوبل اقتحام الشرطة لحرم الجامعات واستخدامها القوة لفض الاعتصام وإنهاء الاحتجاجات، باستياء واسع من قبل الأمريكيين، عبّرت الأمم المتحدة على لسان المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، في بيان عن انزعاجها إزاء الإجراءات القاسية التي تتخذها قوات الأمن الأميركية خلال محاولات تفريق الاحتجاجات المؤيدة للشعب الفلسطيني في الجامعات.
وفي تصريحات لاذعة أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن رد فعل السلطات الأمريكية القاسي على الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين في البلاد يتعارض مع القوانين الأمريكية المتعلقة بحرية التعبير، مشيرة إلى أن السلطات الأمريكية تعتمد على القوة لتفريق المتظاهرين واجبارهم على إخلاء الخيام.
ولفتت زاخاروفا: إلى أن الأمريكيين يهتمون بدعم المتظاهرين في جميع أنحاء العالم لكنهم عندما يتعلق الأمر بالمحتجين داخل الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الآلة العقابية تعمل بشكل صحيح.
وفيما تتصاعد وتيرة الاحتجاجات الطلابية المؤيدة للشعب الفلسطيني، تواصل السلطات الأمريكية اقتحامها للجامعات مستخدمة الهراوات وقنابل الغاز لفض الاعتصامات واعتقال المئات من الطلبة المحتجين، معيدة إلى الأذهان جرائم القمع التي ارتكبتها الشرطة ضد المحتجين السود في ستينيات القرن الماضي المطالبين بالمساواة وإلغاء قوانين الفصل العنصري فيما عرف بـ"حركة الحقوق المدنية" التي كان يتزعمها مارتن لوثر كينغ.