أبدت إيران من جانبها أثناء أحداث غزة إعراضا مشبوها ومثيراً للتساؤلات، أو ربما بالأصح تم عزلها عن الأحداث ودفعها للاكتفاء بالتهديدات، وحين بدأ الأمر يبدو مفضوحا وعاريا تم كتابة وإخراج وتنفيذ سيناريو هجمات إيران الجوابية على إسرائيل، بعد هجمات إسرائيلية استهدفت قيادات إيرانية عسكرية وسياسية رفيعة المستوى.. هجمات تلك الليلة التي بدت هزلية ومفضوحة والتي أطلقت فيها إيران مئات الصواريخ على مناطق خالية وتم إسقاط معظمها، والتي قامت إيران بإشعار الأمريكان والإسرائيليين قبل إطلاقها، في مشهد ليس مثيراً للاستغراب وإنما للضحك والسخرية أكثر من ذلك..!!
وبالعودة إلى الحوثيين، نتذكر جيداً أنهم بعد استرجاع أنفاسهم والسيناريو (الأمريكي) الذي أنقذهم بتصويرهم المدافعين الأشاوس عن غزة، غزة التي آلت إلى قاع صفصف وأصبحت نموذجا لأبشع صور الدمار على وجه الأرض.. قضوا عاما كاملا وهم يحشدون الرأي العام والمقاتلين تحت دعوى استهداف الاحتلال الإسرائيلي، متحولين بوضعهم من حالة انقلاب إجرامية إلى حالة مقاومة ثورية وقومية ضد الاحتلال الاسرائيلي، ومساندة الشعب الفلسطيني، وأصبح الحديث عن انقلابهم نادر الحصول أو منحصرا فقط في منشورات الناشطين التابعين لقوى الشرعية، حتى أن الشرعية ذاتها لم تصدر طوال تلك الفترة بيانا أو موقفا رسميا ضد الانقلاب كما كان عليه الحال في السابق..!!
تحول الأمر بشكل كبير بعد ما شهدته غزة من دمار وتشريد، وبعد أن حققت إسرائيل غاياتها المتمثلة في تشريد أهل غزة وتدمير بناها والسيطرة على ما يقارب ٩٠% من أراضيها، ابتكرت أمريكا للحوثيين سيناريوها جديدا تمثل في تهديد البحار والتأثير على مسارات التجارة العالمية، بسبب القرصنة على السفن بدعوى كونها سفناً إسرائيلية أو سفناً تتعامل تجاريا مع إسرائيل.. وتمكنت وسائل الإعلام الأمريكية والتابعة لها في وقت وجيز من تصوير الحوثيين على أنهم قوة مؤثرة في المنطقة..!!
يأتي ذلك مع ما يشبه التحريز والعزل تجاه الشرعية وقواها، ومنعها من أي تحرك ضد العصابة الانقلابية، بل وشغلها بخلافات وتشضيات داخلية، لا تؤهلها أو تسمح لها بأية مواجهة مع الحوثيين، الذين لا يتوقف مدهم بالسلاح المهرب، عبر إيران التي تدعي أمريكا معاداتها، بينما تؤكد كل المتغيرات أنها (حليفها السري)، وعصاة ارتكازها في المنطقة..!! بل ومروِّجتها الأولى وسببها الرئيسي لصفقات السلاح والخدمات الأمنية مع دول المنطقة، ودليلها أو طريقها المباشر للتمكن من أهم المواقع البرية والسيطرة الاستراتيجية المطلقة على الأرض والبحر والجو، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.