لم يكن يوم الحادي والعشرين من مايو ١٩٩٠م يوماً عادياً، ولم تكن إعادة توحيد اليمن حدثاً من الأحداث السياسية التي يمكن التعامل معها باعتيادية، أو باعتبارها منجزات يمكن الإشادة بإيجابيتها لحظتها، ثم التهنئة أو الاحتفاء بها في كل ذكرى لها وحسب.
وبقدر ما كان تحقق الوحدة اليمنية منجزاً تاريخياً على مستوى الداخل اليمني؛ فقد شكل حدثاً مزلزلا على مستوى المنطقة العربية، وكل المعنيين بالمنطقة العربية على مستوى العالم؛ وتحديداً أصحاب المصالح الدائمة، تلك المصالح الاستراتيجية التي لا يمكن التخلي عنها مهما كان الثمن ومهما استدعى من تحركات وتغييرات في سياسات التعامل مع المنطقة وأنظمتها وشعوبها..
عندما أعلن اليمن تحقيق هذا المنجز التاريخي الكبير، أثار موجة من التفاعل السياسي والاجتماعي والشعبي في مختلف بلدان الوطن العربي، وهتف مؤيداً لها سياسيون وحكام وشعوب، لتشعر العالم بأسره أن منجزاً كهذا يداعب تعطشاً كبيراً للائتلاف والتقارب ليس بين أبناء الوطن الواحد وإنما بين كل شعوب المنطقة، زليس تحت سقف الهوية العربية وحسب وإنما مستظلة بسقوف جمعية وأممية عدة، يفترض أن يمثل كل منها جامعاً قومياً متيناً، يعيد لدول وشعوب المنطقة ما تستحقه من قوة ومكنة وقدرة على التخاطب مع العالم بأسره.. كل ذلك مدعوم بعوامل تاريخية وطبيعية واستراتيجية بإمكانها أن تعيد العرب إلى أماكن القوة والتأثير التي يستحقونها..
لقد تحقق منجز الوحدة اليمنية، في توقيت حساس للغاية، كان العالم العربي في طور التفكك والتضعضع؛ حتى على مستوى القطر الواحد، بدأت الأنظمة والمجتمعات تتشضى سواء بإرادة ودفع الأنظمة والشعوب أو خارج إرادتها ومشاركتها، وفي المقابل تزداد مكنة وقوة أعداء الأمة، وفي مقدمة الأعداء الكيان الصهيوني المحتل في أرض أشقائنا بفلسطين ولبنان والجولان.. كان العرب في طور انهيار وتشضٍ، أقل ما يمكن أن يقال عنه أو يوصف به أنه مخيف وينذر بالأسوأ والأسوأ منه.. فكان حدث إعادة تحقيق الوحدة اليمنية حينها، بمثابة ضوء أمل منعش باعتبار إمكانية التأسيس عليه؛ كخطوة أولى في مشروع الحلم القومي العربي؛ المتمثل في تحقيق وحدة عربية شاملة، بإمكانها مواجهة ما يتعرض له العرب من استهداف وضعف وتمزق عرى..!!
لقد هتف العرب كشعوب للوحدة اليمنية، وتزامنت الأفراح داخل وخارج اليمن في شتى دول المنطقة العربية.. ومن هنا كان ولا يزال من الضرورة الإشارة والتأكيد على أن منجز الوحدة اليمنية لم يكن منجزاً يمنياً حصرياً، وإنما هو منجز عربي قومي شامل، وليس أدل على ذلك من أنه وإن نجح في تجاوز مرحلة الإجهاض، من قبل ذوي المصالح الأجنبية الذين لا يريدون أن تقوم للعرب قائمة أو تستعاد لهم قوة لتستمر المصالح ويتواصل الاستغلال للثروات وللموقع الجغرافي المتميز لدول المنطقة العربية، فقد جعلوا جسد هذا المنجز عرضة للعثرات والطعنات، التي يجب من منظورهم أن تجعله عليلاً سقيماً، إلى أن يفارق الحياة وبالتالي ينطفئ حلم الوحدة العربية الشاملة..!!
من لا يدرك أننا اليوم نعيش، وإن كنا أقرب ما نكون من لفظ الأنفس، تبعات مشروعنا الوطني والقومي التاريخي المتمثل في فجر الثاني والعشرين من مايو العظيم، فمن الصعوبة بمكان عليه أن يفهم ما يجري في هذه المنطقة من استهداف بحق شعوبها، ومحاولات لتفتيتها وخلخلة أنظمتها وقواتها، من قبل الغرب المتوحش الذي طالما استطاع أن يتخفى طويلا وراء ما يحدث في المنطقة من بلاء لزمن طويل.. ولكن هيهات أن يستمر ذلك التخفي، فها قد بدأ يظهر العدو بكل قوته الجامحة ورغبته العارمة في احتلال البر والبحر والسماء، واستغلال كل ما يمكنه أن يستغله من مقدراتنا وممكناتنا.. ملوحاً، من أسطح أساطيله المدمرة وأجنح طائراته العابرة وفوهات نيرانه التي أصبحت تحيط بنا وتعتلي سقوف ديارنا، بأصابع من تهديد ووعيد ..!!