نظّم مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن مناقشات فنية في العاصمة الأردنية عمّان، جمعت عدداً من الخبراء اليمنيين والدوليين في مجالات الاقتصاد، والإصلاح المؤسسي، والقضاء، والمجتمع المدني، وحقوق الإنسان، والبحث الأكاديمي.
وأوضح المكتب في بيان صحفي أن المناقشات التي استمرت يومين ركزت على سبل معالجة الحوكمة الاقتصادية وتطوير الخدمات، إلى جانب استكشاف سبل تعزيز العدالة والإنصاف وضمان الموثوقية المؤسسية بما ينعكس بصورة ملموسة على حياة الناس اليومية، وإدراكًا للأضرار الاقتصادية العميقة وتدهور الخدمات الأساسية نتيجة للنزاع المستمر منذ عقد من الزمن.
وأكد المشاركون ضرورة المضي في إجراءات عملية حتى في ظل غياب تسوية سياسية شاملة. وشدّدوا على أهمية اتخاذ خطوات فورية نحو إصلاحات عادلة تركّز على الجوانب الاقتصادية، مع الإشارة إلى الحاجة الملحة للنظر في سبل إنصاف المتضررين من النزاع.
وأوضحوا إمكانية ربط هذه التدابير بتقوية المؤسسات، ما يسهم في معالجة المظالم وتعزيز ثقة الناس.
كما أشار المشاركون إلى أن هذه الخطوات ينبغي أن تستند على إطار مناسب يضمن الشفافية والاستدامة.
ولفت المكتب الأممي إلى أن مناقشات عمّان "أتاحت فرصة لاستكشاف هذه الأفكار مع خبراء فنيين وتقييم مدى قابليتها للتنفيذ على نطاق أوسع في سياق أجندات الإصلاح الاقتصادي والعدالة في اليمن"، مؤكدًا أنها "تمثّل خطوة مهمة ضمن الجهود الرامية إلى الدفع نحو عملية سياسية بقيادة وملكية يمنية".
وخلّف النزاع في اليمن أضرارًا اقتصادية ممنهجة، من بينها الانخفاض الحاد في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وانهيار الخدمات، والفساد، والازدواجية المؤسسية، وتدهور قيمة العملة، وضعف شبكات الأمان الاجتماعي.
وقد ساهمت هذه الوقائع في تسييس الاقتصاد واستخدامه كأداة للنزاع، ما عمّق انعدام الثقة العامة وأسهم في تدهور ظروف الحياة اليومية، لا سيما لموظفي القطاع العام، والأسر النازحة، والمجتمعات ذات الدخل المحدود.
واعتبر المشاركون في المناقشات أن الانتهاكات التي تدرج عادةً ضمن الحقوق المدنية والسياسية- مثل الاعتقال التعسفي أو الإخفاء القسري- تترك بدورها تداعيات اقتصادية طويلة الأمد على الأسر والمجتمعات.
وشدّدوا على أن مفاهيم مثل الإنصاف والعدالة وجبر الضرر يجب أن تقاس من خلال تحسينات ملموسة في حياة الناس اليومية، مثل استقرار الدخل، وتوفير الخدمات الأساسية، واستعادة أو إعادة الممتلكات، وإيجاد فرص حقيقية للعمل وإعادة الإدماج.
وأكد المشاركون أهمية أن تبنى المناقشات على التجارب المعاشة بدلًا من المواقف الدبلوماسية، ما يفسح المجال أمام أصوات تعكس بصورة حقيقية وقع الصراع على حياة الناس.
وأكد الخبراء اليمنيون والدوليون أن معالجة التداعيات الاقتصادية ضرورة أساسية، لكنها وحدها غير كافية لتوفير أساس شامل للمصالحة والسلام العادل المستدام.
وأشاروا إلى أن جبر الضرر لا ينبغي أن يقتصر على التعويض المالي فحسب، بل يجب أن يشمل أيضًا إعادة الممتلكات، والتأهيل النفسي والاجتماعي والاعتراف بالضرر والاعتذار عنه، إلى جانب المبادرات المجتمعية وضمانات عدم التكرار، مؤكدين أن اتباع نهج شامل وحده الكفيل بتقديم معالجة مجدية لمجمل الأضرار التي تكبدها الأفراد والمجتمعات.
واقترح المشاركون "خيارات سهلة التنفيذ" يمكن تطبيقها على المدى القصير من دون التأثير على مخرجات التسوية السياسية المستقبلية. وشملت هذه الأمثلة تعزيز الشفافية، وتوثيق الأضرار وإنشاء سجلات خاصة بها، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا وأسرهم، وتقديم الحماية، واستعادة الخدمات العامة الأساسية مثل السكن والصحة والتعليم، فضلًا عن تطوير أدوات إدارية موحدة لتوجيه برامج جبر الضرر المستقبلية، وفقًا للبيان الصحفي.
كما شدّد المشاركون على أن تضمين هذه التدابير ضمن إطار قانوني واضح يعد ضروريًا لمنع إساءة استخدامها، وضمان الحقوق، وتوفير اتساق في تطبيق مختلف أشكال سبل الإنصاف.
وأشاروا إلى أن الربط بين الاقتصاد ومفاهيم العدالة الانتقالية وجبر الضرر يمكن أن يشكّل مدخلًا لتحقيق تقدم حتى قبل التوصل إلى تسوية سياسية شاملة. واعتبروا أن التدابير المرتكزة على الاقتصاد، إذا تمت صياغتها بعناية، قادرة على بناء الثقة، ومعالجة المظالم العاجلة، وخلق زخم لجهود مصالحة أوسع نطاقًا.