ما لم نكن نريد قوله وربما حدوثه بالأصل هو أن أمريكا تتعامل مع الحوثيين في ضرباتهم عليها، بذات الطريقة التي تتعامل بها مع إيران.. لا إفراط ولا تفريط، ضربات تحدث ألماً طفيفاً وزائلاً بمرور قليل من الوقت، مثل الصداع المؤقت أو ألم الأسنان في أقسى الأحوال..!! لكنها تنجح في تأدية رسالة فحواها أنها تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك وأن تصل إلى حيث تريد..!! والرسالة الأكثر أهمية التي أوصلتها وتوصلها أمريكا سواء للحوثيين أو لغيرهم هي أنها لا تريد إطلاقاً القضاء على المليشيا، أو حتى إضعافها حد أن تصبح لقمة سائغة لخصومها، بغض النظر عن كونها مليشيا انقلابية أو حتى جماعة إرهابية..!!
وذلك للأسف يتعارض مع السياسة العامة لأمريكا تجاه القضية اليمنية واعترافها بالشرعية وبانقلابية الجماعة وإرهابها، على المستوى السياسي والموقف مما يحصل في اليمن منذ عشر سنوات..!!
ربما يسألني أحدهم كيف استدللت على هذا الحكم أو الرأي..؟! ولن أجد صعوبة في تفسير ذلك بالإشارة إلى أن قرابة 400 طلعة أو غارة زعم أنها شنت على المليشيا لم تستهدف شخصيات ذات أهمية كبيرة في المليشيا أو مواقع في أهم جبهاتها المتلامسة مع قوات الشرعية، حيث تتوفر القوات الميدانية الأكبر والأسلحة الأكثر مساعدة للمليشيا على المحافظة على مواقعها وموقفها من خصومها، كما لم تتعمد الطلعات تدمير الأسلحة الثقيلة المخبأة في المخازن المستهدفة، بقدر ما تعمدت تحييد البعض منها، من خلال قصف مداخل تلك المخازن وتحييد الأسلحة مؤقتاً فقط، من أجل إيصال رسالتها للجماعة ولمن يقف وراءها، أي إيران (صراحة).. هذا مع العلم بأن رسالة أمريكا بأنها (قادرة) على الوصول لما تريد قد وصلت، أي أنها قادرة ولكنها لا تريد..!!
ذلك إلى جانب استقدام المزيد من القوات والمدمرات إلى المنطقة، والإيحاء لإيران وللعالم أجمع، وبالذات شعوب وأنظمة المنطقة، بأنها استقدمت تلك الأسلحة والقوات والتجهيزات، من أجل الإعداد لتوجيه ضربة أو ضربات لإيران.. وكل هذا يبدو في صورة دراماتيكية ملفتة تظهر فيها أمريكا وكأنها تذهب مع إيران في الحوار المزعوم في سلطنة عمان، وهي تضع يدا في رقبة إيران وأخرى توجه مسدساً إلى منتصف جبهتها، خلال ما تزعم أنه حوار أو تفاهم مع إيران، أيا كان ذلك الحوار، سواء أكان من أجل ملف السلاح النووي أو غير ذلك من القضايا والدعاوى الهزلية التي يدعي الطرفان أنها موضع خلاف بينهما..!!
عموما وكنتيجة شبه واضحة لذلك، علينا أن نتفق على أن إيران لا تزال وستظل حصان طروادة الذهبي لأمريكا، والذي عبره اجتازت وتجتاز كل المسافات والحدود لتعلن نفسها وصياً وحاكماً مطلقاً في المنطقة، ناهيك عن التهديد بكون هذا العدو وحشاً أسطورياً لا حدود لإمكاناته وأطماعه، وبكونه قادرا على التهام المنطقة بما فيها.. ويأتي هذا كمرحلة أخيرة، بعد أن كانت قد صورته من قبل عدوا شرساً لا بد من الاحتراس منه والتسلح ضده، وتعهدت بتسليح معظم دول المنطقة وبالذات الغنية منها، لتدخل معها في صفقات خرافية لبيع أسلحة ربما لم تحدث في التاريخ قبلاً..!!
هذه هي أمريكا وهذا هو أسلوبها في التعامل مع شعوب وأنظمة هذه المنطقة (المحتلة) من قبلها وقبل أختها غير الشقيقة بريطانيا.. ومن الغباء وشديد البلاهة أن يعتقد أحد أن أمريكا معنية بأمن المنطقة أو بصداقة أي من شعوبها وأنظمتها، ولا بد أن ندرك أن بقاء إيران وأذرعها من الأهمية بمكان لديها أكثر من أي حسابات وادعاءات أخرى.. إنها أكثر حرصا على بقاء إيران كمصدر خوف وتهديد للمنطقة ربما أكثر من الإيرانيين أنفسهم.. ومن هنا فمن الغباء والخسران المراهنة على أي تدخل أمريكي سواء أكان سياسيا أو عسكريا في أي شأن من الشئون التي فيها صالح المنطقة، بقدر ما تنظر الصديقة الماكرة بكلتا عينيها لمصالحها هي وحسب.