آراء

ما بعد طوفان الأقصى ليس كما قبله

فاطمة أحمد محمد البحيث

|
قبل 4 ساعة و 41 دقيقة
A-
A+
facebook
facebook
facebook
A+
A-
facebook
facebook
facebook

لم تكن غزة يوماً مجرد قطعة أرضٍ محاصرة على شاطئ المتوسط، بل كانت وما زالت جرح الأمة النابض وضميرها الحيّ، على مدى شهورٍ طويلة، عانت غزة ويلات القصف والدمار، وتجرّعت مرارة الإبادة والتجويع، تحت وابلٍ لا ينقطع من القنابل التي لم تُبقِ حجراً على حجر، ولا طفلاً ولا امرأةً ولا شيخاً إلا وكان له نصيب من الألم والفقد...غير أن هذه المدينة الصغيرة بحجمها، الكبيرة بإيمانها وصمودها، لم تنكسر، بل صارت عنوانًا لعصرٍ جديد، يُعيد صياغة الوعي الإنساني ويقلب مفاهيم القوة والعدالة رأساً على عقب.

 

*غزة تغيّر وجه العالم*

 

ما بعد طوفان الأقصى ليس كما قبله؛ فالعالم الذي كان ينام على روايةٍ واحدةٍ كتبها المحتل، استيقظ اليوم على مشهدٍ مغاير صنعته دماء الشهداء وعدسات الهواتف التي نقلت الحقيقة دون رتوش، من رحم الدمار، خرجت غزة لتعيد تعريف البطولة والكرامة، ولتكسر هيبة الغرب المتغطرس الذي طالما احتكر الخطاب الإنساني.

 

فقد اندلعت المظاهرات في شوارع أوروبا من لندن إلى باريس، ومن مدريد إلى برلين، ترفع الأعلام الفلسطينية وتندد بازدواجية المعايير. واهتزّت عروش النفاق السياسي حين علت أصوات ملايين المتضامنين تطالب بالعدالة ووقف المجازر.

 

وفي الجامعات الأمريكية، اشتعلت انتفاضة الفكر والضمير؛ احتلّ الطلاب الساحات، نصبوا خيامهم، ورفعوا شعارات الحرية لفلسطين متحدّين القمع والتهديد ومتحدين اللوبي الصهيوني حيث لا يجرؤ انسان هناك أن يعارضه كما قال بول فندلي عضو الكونغرس الأمريكي السابق في كتابه الشهير (من يجرؤ على الكلام؟)، مؤكدين أن الجيل الجديد سيجرؤ على الكلام و لم يعد يؤمن برواية القوة، بل بالحق الذي يُروى بدماء الأبرياء.

 

*دماء الشهداء تكتب فجراً جديداً*

 

كل مشهدٍ من مشاهد الصمود في غزة كان ممهوراً بدماء الشهداء من أطفالٍ ونساءٍ وشيوخٍ الذين قدّموا أرواحهم على مذبح الكرامة،لقد تحوّلت دماؤهم إلى لغةٍ عالمية، يفهمها كل من في قلبه ذرة إنسانية، ويقرأها كل من أراد أن يرى الحقيقة دون حجاب الإعلام المضلِّل.

 

*العالم يتغيّر*

 

اليوم، لم تعد فلسطين قضيةً منسية على الهامش فقد اعترفت عشرات الدول رسمياً بالدولة الفلسطينية، وأصبحت كلمة “فلسطين” تتردّد في المحافل الدولية بلهجةٍ مختلفة، تحمل في طيّاتها الاحترام والاعتراف بعدالة القضية، حتى الدول العربية التي كانت مسلوبة الإرادة، وجدت نفسها أمام ضغطٍ شعبيٍّ غير مسبوق، أجبر بعض قادتها على رفع الصوت ، ولو في الحد الأدنى نصرةً لغزة وشعبها.

 

*خاتمة*

 

إن طوفان الأقصى لم يكن حدثاً عابراً، بل كان زلزالاً أخلاقياً وسياسياً غيّر وجه العالم فغزة، التي أرادوا لها الموت، أحيت الضمير الإنساني، وأثبتت أن المقاومة ليست بندقية فحسب، بل فكرةٌ لا تموت، وإرادةٌ لا تُكسر، وصوتٌ يعلو من بين الركام ليقول للعالم:

 

ما بعد طوفان الأقصى… لن يكون كما قبله.

 

✍️ فاطمة أحمد محمد البحيث

11 اكتوبر 2025

 

جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية
جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية