آراء

سرقة المؤلفات في القانون اليمني

هبة العيدروس

|
قبل 5 ساعة و 28 دقيقة
A-
A+
facebook
facebook
facebook
A+
A-
facebook
facebook
facebook

تعيش الساحة الأكاديمية في اليمن، كما في غيرها من الدول، تحديًا متزايدًا مع تفاقم ظاهرة السرقة العلمية، التي تُعد من أخطر أشكال الاعتداء على الملكية الفكرية. فبينما تتسارع وتيرة النشر والإنتاج العلمي، تزداد حالات الاستيلاء على أبحاثٍ أو مؤلفاتٍ دون نسبها لأصحابها الأصليين، في انتهاكٍ واضح للقانون ولأخلاقيات البحث العلمي.

 

تضرب هذه الممارسات أساس الثقة في المجتمع الأكاديمي، وتثير تساؤلات حول مدى حماية حقوق المؤلف في التشريع اليمني، وما إذا كان من يسرق أو ينتحل عملاً فكريًا يُساءل مدنيًا أو جنائيًا أمام القضاء.

 

وكان القانون اليمني واضحًا في هذا الجانب. فوفقًا لقانون حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة رقم (15) لسنة 2012م، المؤلف هو"كل من يبتكر إنتاجًا أدبيًا أو علميًا أو فنيًا مبتكرًا، أيًّا كان نوعه أو طريقة التعبير عنه". وهذا يعني أن الجهد الشخصي والإبداع الذاتي هما الأساس في اكتساب صفة المؤلف، وليس شرطًا أن يكون العمل جديدًا تمامًا، بل يكفي أن يحمل بصمة صاحبه ويعبر عن فكره الخاص.

 

ويقر القانون للمؤلف نوعين من الحقوق: حق أدبي يضمن له نسبة العمل إليه والحفاظ على سلامته من أي تحريف أو اقتباس مشوه، وحق مالي يتيح له استغلال عمله ماديًا بالنشر أو الترجمة أو التوزيع. وأي اعتداء على هذه الحقوق، سواء بالنسخ الكامل أو الجزئي، يعد جريمة فكرية تستوجب المساءلة.

 

من الناحية المدنية، يعتبر من يسرق عملاً علميًا أو أدبيًا قد ارتكب عملًا غير مشروع، يلتزم بتعويض الضرر الذي ألحقه بالمؤلف الأصلي، سواء كان ضررًا ماديًا كخسارة العائد المالي، أو معنويًا كالمساس بسمعته واعتباره العلمي. ويحق للمؤلف المعتدى عليه أن يطلب من المحكمة سحب النسخ المقلدة ومنع تداولها، بل وحتى نشر حكم الإدانة في وسائل الإعلام على نفقة المعتدي لإعادة اعتباره.

 

أما من الناحية الجنائية، فقد شدد القانون على أن السرقة الأدبية جريمة تستوجب الحبس أو الغرامة كعقوبة أصلية وأخرى تكميلية، إلى جانب التعويض عن الضرر. ولا يشترط أن يكون التطابق بين العملين تامًا، فمجرد نسخ جزء جوهري من عمل إبداعي يُعد جريمة متى توفرت نية الانتحال. كما يمكن أن تمتد المسؤولية إلى الناشر أو المؤسسة الأكاديمية التي تساهم في نشر العمل المسروق وهي على علم بالمخالفة.

 

ولا تقتصر خطورة السرقة العلمية على بعدها القانوني فقط، بل تمتد إلى بعدها الأخلاقي، إذ تمثل خيانة للأمانة العلمية وإهانة لكرامة الفكر، فضلًا عن كونها جريمة في حق المبدعين الذين يكرسون وقتهم وجهدهم لإثراء المعرفة. مثل هذه الأفعال تقتل روح الباحث، وتفقد المجتمع الثقة في مؤسساته الأكاديمية، وتضعف مكانة البحث العلمي برمته.

 

ولمواجهة هذه الظاهرة، يحتاج اليمن إلى خطوات عملية جادة، تبدأ من تفعيل دور النيابة العامة والمحاكم المختصة في ملاحقة المعتدين على الملكية الفكرية، وإنشاء شعبة خاصة بجرائم الملكية الفكرية إلى جانب شعبة الجرائم المعلوماتية. 

 

كما يتوجب على الجامعات ومراكز البحث إنشاء لجان للنزاهة العلمية واستخدام أنظمة كشف الانتحال لحماية الأبحاث وضمان أصالتها. ويجب أن ترافق ذلك جهود تعليمية وثقافية لتعزيز قيم الأمانة والاحترام للملكية الفكرية لدى الباحثين والطلاب على حد سواء.

 

إلى جانب ذلك، من الضروري تحديث التشريعات لتواكب التطورات التقنية الحديثة، خصوصًا في ما يتعلق بالمصنفات الرقمية والذكاء الاصطناعي، حتى تشمل الحماية جميع أشكال الإبداع. وهذا يتماشى مع التزامات اليمن الدولية، بعد مصادقتها على اتفاقية تريبس الخاصة بحقوق الملكية الفكرية، التي دخلت حيز التنفيذ بالنسبة لليمن  عام 2021م.

 

تبقى حماية حق المؤلف ليست مجرد قضية قانونية، بل قضية كرامة فكرية وعدالة اجتماعية. لأن احترام الحقوق الفكرية طريق لبناء مجتمع يحترم الإبداع ويؤمن بأن الجهد العلمي ملك لصاحبه، لا يجوز المساس به تحت أي ذريعة.

 

جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية
جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية